إن ما توصل إليه الباحثون بتقنيات العلم الحديث ، فيما يتعلق بالسواك وفوائده ، قد جاء متأخرا بأكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، عما توصل إليه النبي الأمي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه رب العزة : (( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى)) (لنجم:3) ، (( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ )) (الحشر: من الآية7)
فماذا عسانا أن نعرف عن السواك ؟ وماهي مكانته في السنة النبوية الشريفة ؟ وماذا عن التجارب والأبحاث الحديثة ، التي أثبتت فاعليته ؟
شجرة الآراك :
إن أعواد السواك ، هي الحصاد الثمين لشجرة شبه استوائية ، تنتمي إلى الفصيلة السلفادورية .. تدعى " الآراك " ، وهي شجرة دائمة الخضرة ، تزرع في مناطق أبها وعسير وجيزان بالمملكة العربية السعودية ، وفي اليمن ، وبلاد الشام ، وإيران ، وشرق الهند ومناطق متفرقة في القارة الأفريقية ، خاصة إقليم وادي النيل ..
وهي في شكلها العام تشبه إلى حد كبير شجرة الرمان ، أطرافها مغزلية ، وأوراقها ذات أسطح ناعمة ناصعة الإخضرار . تزهر ربيعياً ، وتكون زهورها صفراء اللون ، بها اخضرار بسيط . ومنها تخرج ثمار صغيرة ، بحجم حبات الحمص ، ذات طعم جيد ، وتدخل في بعض الصناعات الطبية . .
والسواك ، يؤخذ عادة من الجذور ، التي تكون قد أكملت في التربة مدة نمو تتراوح بين عامين وثلاثة أعوام . وإن كان البعض يقطعون الأفرع الصغيرة ويجعلونها أعواداً لتسويك الأسنان ، إلا أنه ثبت علمياً أن الأفرع أقل في احتوائها للمواد الفعالة من الجذور . .
طريقة استخراج السواك :
يتميز السواك برائحته الطيبة ، وطعمه المحبب ، يتم حفظه بعد تجفيفه ، في أماكن رطبة . وقبل الإستعمال يمكن نقع طرفه في الماء لبعض الوقت ، ثم إخراجه والدق عليه دقاً بسيطاً حتى تقع قشرته الخارجية وتظهرالألياف . عندئذ يكون جاهزاً للاستعمال في تنظيف الفم ، كأفضل معجون وفرشاة في العالم ، لكونه يحتوي على مواد فعالة مطهرة ، ومانحة الوقاية والمناعة الطبيعية للثة والأسنان . .
وقت استخدامه :
ويتأكد استخدام السواك : قبل الوضوء - الصلوات الخمس - قبل النوم وبعده - عند تغير الفم - عند قراءة القرآن والذكر - والخروج من المنزل والدخول إليه - صلاة الضحى - السنن الرواتب - عند الوتر - وكل وقت
مكانة السواك في السنة النبوية :
للسواك مكانة مرموقة في سنة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم فقد ورد بشأن السواك عشرات الأحاديث .. فعند كل صلاة ، كان صلى الله عليه وسلم يتسوك ويحث أصحابه على التسوك فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة " وفي رواية ( عند كل صلاة مع الوضوء ) رواه البخاري ومسلم والنسائي .. وعن المقداد بن شريح عن أبيه قال : " سألنا عائشة رضي الله عنها : بأي شيء كان النبي يبدأ إذا دخل بيته ، قالت : بالسواك " صحيح مسلم . وفي حديث آخر : ( لقد أ ُمرتُ بالسواك حتى خشيت أن أدْرَد ) أخرجه البزار .الدْرَد : سقوط الأسنان ، وكان يقول لأصحابه : (( لقد أكثرت عليكم في السواك )) رواه البخاري ..
آخر ما فعله النبي قبل وفاته :
ويكفي في ذلك أنه كان أخر شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أستاك وهو في حجر أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ..
متى يستاك رسول الله ؟
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من استعمال السواك وهو صائم . عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه ، قال : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مالا أحصى يستاك وهو صائم " رواه ابن خزيمة وكان يتسوك كثيراً في ليله ، ففي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك " .
وكان صلى الله عليه وسلم يتسوك قبل أكله وبعد أن يفرغ من الأكل . وليس ثمة مبالغة إذا قلنا بأن السواك لم يكن يفارق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أينما ذهب وقد احتذى حذوه واتبع سنته صحابته رضوان الله عليهم جميعاً .
كاد أن يكون السواك أمراً !!
لقد كان الصحابة يظنون بأن رب العزة جل وعلا ، سوف ينزل في السواك أمراً ، لكثرة ما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحثهم على استعماله , عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أكثرت عليكم بالسواك " رواه البخاري في صحيحه ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لقد أمرت بالسواك حتى ظننت أنه سينزل به علي قرآن أو وحي " ، أخرجه لإمام أحمد في مسنده .
الحكمة من السواك :
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " السواك مطهرة للفم ، مرضاة للرب " .
فوائد في السواك :
قال ابن دقيق العيد : الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حال تقرب إلى الله , فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة , وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي , فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه , لكنه لا ينافي ما تقدم . وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون ..
ومن فوائده أيضاً أنه : مسخطة للشيطان ، يذكر الشهادة عند الوفاة ، يقوي اللثة ويطهر المعدة ويقوي الذاكرة ويطرد الشيطان .. وقال ابن القيم : أنه يقطع البلغم ويجلو البصر يذهب بالحفر ويصفي الصوت ويعين على هضم الطعام ويسهل مخارج الكلام و ينشط للقراءة والذكر والصلاة يطرد النوم يعجب الملائكة يكثر الحسنات .
وفوائد أيضاً : أنه يطهر الفم ويرضي الرب ويبيض الأسنان ويطيب النكهة ويسوي الظهر ويبطىء الشيب ويصفي الخلقة ويزكي الفطنة ويضاعف الأجر ويسهل النزع ويذكر الشهادة والموت وإدامته : تورث السعة والغنى وتيسر الرزق وتطيب الفم وتسكن الصداع وتذهب جميع ما في الرأس من الأذى وتقوي الأسنان وتزيد في الحسنات وتفرح الملائكة وتصافحه لنور وجهه وتشيعه إذا خرج للصلاة ويعطى الكتاب باليمين وتذهب الجذام وتنمي المال والأولاد وتؤانس الإنسان في قبره ويأتيه ملك الموت عليه السلام وقبض روحه في صورة حسنة
كيفية السواك :
يكون في عرض الأسنان لخبر :" إذا استكتم فاستاكوا عرضاً " ، ويجزيء طولا لكنه يكره وكيفية الاستياك المسنون : أن يبدأ بجانب فمه الأيمن فيستوعبه باستعمال السواك في الأسنان العليا ظهرا وبطنا إلى الوسط ثم السفلى كذلك ثم الأيسر كذلك ثم يمره على سقف حلقه إمرارا لطيفاً ..
ويسن أن يكون ذلك باليد اليمنى وأن يجعل الخنصر من أسفله والبنصر والوسطى والسبابة فوقه والإبهام أسفل رأسه ثم يضعه بعد أن يستاك خلف أذنه اليسرى لخبر فيه واقتداء بالصحابة ، واستحب بعضهم أن يقول في أوله : " اللهم وعثمان به أسناني وشد به لثاتي وثبت به لهاتي وبارك لي فيه يا أرحم الراحمين " .
أحكام السواك :
الوجوب فيما إذا توقف عليه زوال النجاسة أو ريح كريه في نحو جمعة .
الحرمة فيما إذا استعمل سواك غيره بغير إذنه ولم يعلم رضاه .
والكراهة للصائم بعد الزوال وفيما إذا استعمله طولا اللسان .
والندب في كل حال . ولا تعتريه الإباحة لأن القاعدة أن ما كان أصله الندب لا تأتي الإباحة فيه .
صفة السواك :
السواك المقصود به اي آلة خشنة يمكن دلك الأسنان بها ، فيمكن لك اذا لم تجد عود الأراك ان تستخدم منديلا او ثوبك .. وأفضل أنواع السوك المسنون : غصن الأراك ، جذر الأراك اليابس المندّى بالماء ثم الرطب ، ثم سعف النخل ، ثم الزيتون ثم كل ذي ريح طيب ثم غيره من بقية العيدان ، ويكره الاستياك بالريحان لما قيل أنه يورث الجذام ..
وأفضل الأراك المندى بالماء ثم المندى بماء الورد ثم المندى بالريق ثم المندى ثم الرَطب بفتح الراء وسكون الطاء وبعضهم يقدم الرطب على اليابس ..
وأما حجم السواك فلا يزيد طوله على شبر لقول أن الشيطان يركب على الزائد منه ، ولا ينقص على أربعة أصابع ، وأما عرضه فيكون متوسط ليس بالدقيق ولا بالعريض جداً الذي يجرح اللثة أي تقريباًَ بحجم الاصبع النحيل ..
طريقة بسيطة لحفظ السواك لمدة أطول :
يمكن وضع مجموعة من السواك - وخاصة الجديد منها الأخضر - كل 10 حبات مثلاً في ورق الألمنيوم ويلف جيداً ويحفظ في كيس ويضع في الفريزر ، وكلما احتجت منها أخرج منها ثم أعيده إلى الفريزر ، فيبقى السواك جديد حتى لو طالت المدة ولو أكثر من سنتين ..
السواك على مائدة البحث العلمي :
بعد أربعة عشر قرناً من الزمان بدأت أسرار السواك ، ومكامن مواده الفعالة ، تكتشف على موائد البحث العلمي وكان الباحثون العرب و المسلمين قد قطعوا في عمليات البحث شوطاً كبيراً ، ونجحوا في التعرف إلى ما يزيد عن عشرين عنصراً فعالاً في السواك .
ففي عام 1406 هـ (1986م) ، وبقسم الصيدلانيات بكلية الصيدلة ، جامعة الملك سعود في الرياض ، عكف فريق بحثي برئاسة كل من د. عاطف محمد شبل ، و د. يوسف عز الدين حمودة ، على تحليل مكونات جذور شجرة الآراك ودراستها ، بغرض معرفة مدى تأثيرها على نمو أنواع البكتيريا التي توجد داخل الفم ، والتي تصيب الأسنان بالتسوس والنخر ، ومدى تأثيرها في حماية أسطح الأسنان من الإذابة ، عند تعرها إلى وسط حامضي ناتج عن تخمير البكتيريا لبقايا الأطعمة الكربوهيدراتية ، وبعد عدة أشهر من التحليل والدراسة ..
نتائج البحث :
فقد أثبت أن المواد الفعالة التي تحتويها جذور شجرة الآراك ، تعطي الأسنان مناعة طبيعية ضد التسوس والنخر ، بالقضاء على الطفيليات والبكتيريا المسببة لهما . وأن هذه المواد لها قدرة عجيبة على حماية أسطح الأسنان من التأثيرات الحامضية وفي تجربة حديثة ، أجريت على خمسة وعشرين مريضاً ، في كلية طب الأسنان بنفس الجامعة ثبت أن أعواد السواك تتفوق على جميع وسائل تنظيف الأسنان الأخرى ، كالفرشاة وحيدة الحزمة ، والفرشاة البينية ، والخيط السني ..
ويعتبر السواك أفضل علاج وقائي لتسوس أسنان الأطفال لاحتوائه لمادة الفلورايد ، يزيل الصبغ والبقع لاحتوائه لمادة الكلور ، تبيض الأسنان لاحتوائه لمادة السيلكا ، ويحمي الأسنان من البكتريا المسببة للتسوس لاحتوائه لمادة الكبريت والمادة القلوانية ، يفيد في التأم الجروح وشقوق اللثة وعلى نموها نمواًً سليماًً لاحتوائه لمادة تراي مثيل أمين (Trimethylamina) وفيتامين ( ج ) ، أفضل علاج لترك التدخين ..
ويقول عالم ألماني : قرأت عن السواك الذي يستعمله العرب كفرشاةٍ للأسنان في كتابٍ لرحَّالةٍ زار البلاد العربية ، وعرض الكاتب الأمر بأسلوبٍ ساخرٍ لاذعٍ ، اتخذه دليلاً على تأخُّر هؤلاء الناس ، الذين ينظفون أسنانهم بقطعةٍ من الخشب في القرن العشرين .. ولكني أخذت المسألة من وجهة نظرٍ أخرى ، وفكَّرت لماذا لا يكون وراء هذه القطعة من الخشب والتي أسميتها فرشاة الأسنان العربية حقيقةً علمية ؟؟ وتمنّيت لو استطعت إجراء التجارب عليها ، ثم سافر زميلٌ لي إلى السودان ، وعاد ومعه مجموعةٌ منها وفوراً بدأت إجراء تجاربي عليها ، سحقتها ، وبللتها ، ووضعت المسحوق المبلل ، على مزارع الجراثيم ، فظهرت لي المفاجأة التي لم أكن أتوقعها حيث ظهرت على مزارع الجراثيم ، الآثار نفسها التي يؤثِّر بها البنسلين .. البنسلين مادةٌ فعالة في قتل الجراثيم ...
فسبحان الله العظيم ..